Wednesday, March 14, 2012

من خواطر الشعراوي الإمام - في تفسير القرآن الجزء 8

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)

 الغيب هو كل ما غاب عن مدركات الحس. فالأشياء المحسة التي نراها ونلمسها لا يختلف فيها أحد.. ولذلك يقال ليس مع العين أين.. لأن ما تراه لا تريد عليه دليلا.. ولكن الغيب لا تدركه الحواس.. إنما يدرك بغيرها

وقمة الغيب هي الايمان بالله سبحانه وتعالى.. والايمان بملائكته وكتبه ورسله والايمان باليوم الآخر.. كل هذه أمور غيبية، وحينما يخبرنا الله تبارك وتعالى عن ملائكته ونحن لا نراهم.. نقول مادام الله قد أخبرنا بهم فنحن نؤمن بوجودهم.. وإذا أخبرنا الحق سبحانه وتعالى عن اليوم الآخر.. فمادام الله قد أخبرنا فنحن نؤمن باليوم الآخر.. لأن الذي أخبرنا به هو الله جل جلاله.. آمنت به أنه اله.. واستخدمت في هذا الايمان الدليل العقلي الذي جعلني أؤمن بأن لهذا الكون إلهاً وخالقاً.. وما يأتيني عن الله حيثية الايمان به أن الله سبحانه وتعالى هو القائل

ولابد أن نعرف أن وجود الشيء مختلف تماما عن ادراك هذا الشيء.. فأنت لك روح في جسدك تهبك الحياة.. أرأيتها؟.. أسمعتها؟.. أذقتها؟.. أشممتها؟.. ألمستها؟.. الجواب طبعا لا.. فبأي وسيلة من وسائل الادراك تدرك أن لك روحا في جسدك؟ بأثرها في إحياء الجسد
إذن فقد عرفت الروح بأثرها، والروح مخلوق لله.. فكيف تريد وأنت عاجز أن تدرك مخلوقا في جسدك وذاتك وهو الروح بآثارها.. ان تدرك الله سبحانه وتعالى بحواسك

فالجراثيم مثلا موجودة في الكون تؤدي مهمتها منذ بداية الخلق.. وكان الناس يشاهدون آثار الأمراض في أجسادهم من ارتفاع في الحرارة وحمى وغير ذلك وهم لا يعرفون السبب.. فلما ارتقى العلم وأذن الله لخلقه أن يروا هذا الوجود للجراثيم.. جعل الله العقول قادرة على أن تكتشف المجهر.. الذي يعطينا الصورة مكبرة.. لأن العين قدرتها البصرية أقل من أن تدرك هذه المخلوقات الدقيقة.. فلما اكتشف العلم المجهر.. استطعنا أن نرى هذا الجراثيم.. ونعرف أن لها دورة حياة وتكاثر إلى غير ما يكشفه الله لنا من علم كما تقدم الزمن

إن عدم قدرتنا على رؤية أي شيء لا يعني أنه غير موجود. ولكن آلة الإدراك ـ وهي البصر ـ عاجزة عن أن تراه، لأنه غاية في الصغر.. فاذا جئت بالمجهر كبر لك هذا الميكروب ليدخل في نطاق وسيلة رؤيتك وهي العين.. ورؤيتنا للجراثيم والميكروبات ليست دليلا على أنها خلقت ساعة رأيناها.. بل هي موجودة تؤدي مهمتها.. سواء رأيناها أو لم نرها

والله تبارك وتعالى قد أعطانا من آياته في الكون ما يجعلنا ندرك أن لهذا الكون خالقا.. فالشمس والقمر والنجوم والأرض والانسان والحيوان والجماد لا يستطيع أحد أن يدعي انه خلقهم.. ولا أحد يمكن أن يدعي أنه خلق نفسه أو غيره.. ولا يمكن لهذا الكون بهذا النظام الدقيق أن يوجد مصادفة؛ لأن المصادفات أحداث غير مرتبة أو غير منظمة.. ولو وجد هذا الكون بالصدفة لتصادمت الشمس والقمر والنجوم والأرض ولاختل الليل والنهار

ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: } وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ {.. والصلاة هي إدامة ولاء العبودية للحق تبارك وتعالى وهي لا تسقط عن الانسان أبدا.. فالانسان يصلي وهو واقف، فإن لم يستطع يصلي وهو جالس. فإن لم يستطع، فيصلي وهو راقد.. ولا تسقط الصلاة عن الانسان من ساعة التكليف إلى ساعة الوفاة كل يوم خمس مرات

ويقول الحق تبارك وتعالى: } وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ {.. وحين نتكلم عن الرزق يظن كثير من الناس أن الرزق هو المال.. نقول له لا.. الرزق هو ما ينتفع به فالقوة رزق، والعلم رزق، والحكمة رزق، والتواضع رزق.. وكل ما فيه حركة للحياة رزق.. فإن لم يكن عندك مال لتنفق منه فعندك عافية تعمل بها لتحصل على المال.. وتتصدق بها على العاجز والمريض.. وان كان عندك حلم.. فإنك تنفقه بأن تقي الأحمق من تصرفات قد تؤذي المجتمع وتؤذيك.. وان كان عندك علم انفقه لتعلم الجاهل.. وهكذا نرى: } وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ { تستوعب جميع حركة الحياة.

No comments: